إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

11‏/10‏/2011

فـاقد الشئ لا يُعطيه – قصة قصـيرة


سمعت هذه الجملة اليوم صادرة من قعدة ستات فى الطربيزة اللى جنبي فى إحدي الكافيهات وأنا أتناول فطوري مع فنجان القهوة التمام وفجأة لقتني رجعت بيها لذكريات جميلة لمّا كنت حلوة كده وعكروتة وعندي حوالي عشر سنين .

وقتها كنت غير كل بنات سني كنت أحب اسمع وافهم كل تفاصيل الكلام وممكن أسيب عروستي الحلوة عشان اتحشر واسمع كلام الكبار.

إفتكرت سعتها أول مرة سمعت فيها الجملة دي من طنط سهير ( قريبتنا ) وهى بتحكي على عمو حسين ( جوزها طبعا ) وبتكلم ماما _ اللى كنت أنا محشورة ورا ضهرها ومحدش حاسس بيا _  وبتشتكي بصوت مخنوق ومتنرفز فى نفس الوقت :  أنا اللي غلطانة من الأول .. مهو فعلاً فاقد الشىء لا يعطيه !

رنّت الجملة فى ودني وخلقت معاها مجموعة من الأسئلة الغريبة والغير مترابطة وخلقت عندي إحساس بوجود لغز قوي لابد وأن أشارك فى حله .

قضيت مساء هذا اليوم فى تفكير عميق .. يا تري إيه اللي ضايع من عمو حسين ومضايق طنط سهير أوي كده ؟

وهل ضاع منّه بره البيت ولاّ ممكن ندورعليه فى البيت معاه ونلاقيه ونحل المشكلة دي !

وطبعاً لم يكن لأحد أن يتخيل إن طفلة فى عمري ممكن تقضي أمسيتها فى التفكير فى كينونة هذه الجملة واللي بعفوية اتقالت فى قعدة ستات وفضفضة وإني ممكن أكون بحاول ألاقي طرق لحل المشكلة واللي اصلا مش موجودة !

فكرت فى الأول إني اسأل حد كبير واستشيره فى الموضوع يمكن يفهْمني ويكون عارف إيه اللي ضايع من عمو حسين أو إيه هو معني الجملة دي أساسا !

أسأل مي ؟! ... لا لا لا ... مي أختي عصبية وممكن تزعقلي ... لا وفتّانه كمان ( رغم انها الكبيرة ! ) .

أنا أسكت أحسن بدل دوش التهزيق اللي ممكن اخده من ماما لو عرفت أصلاً إنى كنت قاعدة وبسمع كلام الكبار .

لا وممكن كمان تحرمني من الشوكولاتة  ..............

لأ بقي كله إلا الشوكولاتة .. بلاها دورالبطولة ..  وأنا مالي طنط سهير تزعل ولاّ حتي عمو حسين نفسه يضيع !!

لأ بس ده اسمه هروب ! ... أنا لازم اكون شجاعة واعرف معني الجملة دي إيه وأساعدهم ... بس برضه من غير خساير .

ده كان آخر حل وصلتله ليلتها وأنا بناااااااااام .......

                    ••••••••••••••••••••••••••••••

يوم جديد بدأ وبدأت معاه تنفيذ خطتي فى البحث .. وكانت أول مرة أعرف فيها معني البحث اللي كتير ميس سعاد طلبته منّنا فى المدرسة .. ولحسن حظي انهاردة يوم الأجازة .. يعني كل البيت فاضيلي عشان استدرجه علي راحتي بقى من غير مسمع الجملة الشهيرة : أنا راجع(ة) من الشغل وتعبان أو قصيدة بلاش رغي وخشي ذاكري .

بدأت بأختي الكبيرة واللى كانت لحسن حظي رايقة :
مي ... اتبسطتي امبارح وإحنا عند طنط سهير ؟
ايووة .. بتسألي ليه ؟
طيب متعرفيش عمو حسين كان زعلان ليه ؟
زعلان .... لااا خالص ده كان طول الوقت بيضحك معانا وعادي .
طب تفتكري ضايع منه حاجة مثلاً ؟
لأ ... إيه ده انتى بتسألي ليه ؟! ... هو انتي لقيتي حاجة عندهم واخدتيها !
يا مامااااا ..... طبعاً مي حتندهلها
مش قولتلكوا ... أختي الكبيرة بس فتّاانه !
خلاص خلاص يا مي انتي اللى فهمتي غلط أنا بتكلم على حاجة تانية خااااالص .. اسكتي بقى .

ذهبت لغرفتي وأنا أفكر فى حل بديل .. واضح إن خطة الإستدراج دي فاشلة !
آااه .... جاتلي فكرة ..
لازم أرتب زيارة تانية بين العيلتين .. هو ده الحل ..
سعتها فرصتي حتبقى أكبر فى إنى أعرف إيه اللي ضايع من عمو حسين !

وبما إني قررت ... لابد وإني أنفّذ ...

وطبعاً بعد إصراري والزنّ على ودن ماما شوية وبابا شوية وتسخين مي على فكرة الخروج وساعات من الترتيب والتفكير .. تمت المهمة بنجاح .

ماما : يلا يا حبيبتي قومي ألبسي بقى علشان نروح عند طنط سهير وعمو حسين !

سعادة لا توصف وفرحة ملأت قلبي ولا يوم العيد بعد أن سمعت أحلي جملة انتظرتها من أيام ..

أخيراااا ... أخيراً اللغز قرّب يتحل .

طبعاً لبست هدومي فى ثواني وطيران على باب الشقة ...
يلا يا مامااا .. يلا يا بابا ... يلا بقى حنتأخر كده !

طول الطريق وأنا سرحانة  .. طبعاً سرحانة فى اللحظة اللي حلاقي فيها لعمو حسين الشىء اللى ضايع منه و متخيلة طبعاً كمّ الفرحة اللي حتبقى فيها طنط سهير .....
طب والله كنت طفلة طيبة وبحب الخير .

وصِلنا لبيت عمو حسين واللي بطبعي كنت بحب كل ركن فيه خصوصاً الركن الموجود فيه البيانو الكبير.
أيوة .. إسمه بيانو .. مي أختي حفظتني إسمه طول الليل علشان ابطّل أقول عليه البتاع الأسود اللي بيعزف لوحده  !!

قابلتنا طنط سهير بالحلوى والعصائر التي أعشقها ..

تركت كل ذلك من أجل هدفي السامي وهو التسلل والجلوس بجوار أمي وهي تتحدث مع طنط سهير .
وفجأة .. تكررت الجملة إياها .... بس قبلها جملة صعبت اللغز أكتر:
ما أنا قولتلك قبل كده إنه مش حاسس بحاجة وإن فاقد الشىء لا يعطيه .
مش حاسس !! ..... يعني إيه بقى الكلام ده ؟
ده كده ممكن يكون عمو حسين مش ضايع منه ساعة أو محفظة .. دي طنط بتقول مش حاسس !
بس هو إزاي ممكن الاحساس يضيع منه ؟ وضاع فين ؟؟ وده ممكن يلاقيه ازاي ده ؟؟؟
يا عيني يا عمو حسين !

                   ••••••••••••••••••••••••••••••

ليلة صادمة أخرى قضتها فى التفكير .... والمرة دي كان التفكير أكبر وأعمق كتير من مستوي إستيعابي كطفلة .
عمو حسين ضايع منه إحساس !! .. دي الجملة الوحيدة اللي كانت بتدور فى تفكيري طول الليل .

                   ••••••••••••••••••••••••••••••

صباح يوم جديد وقبل ذهابي للمدرسة قررت أن استجمع قوتي وشجاعتي اللي معرفش لحد انهاردة جبتها منين وبعد طول تفكير وتردد قررت الذهاب لماما وأسألها ... ايوووة ... حسألها !

مامااا ... هو ازاي ممكن حد يضيع منه إحساس ؟
لفت ماما وعلى وشها علامة تعجب واضحة ..
إيه يا حبيبتى السؤال ده ؟ .. جبتي الكلام ده منين ؟!
مامااا .. جاوبيني بس .. يعني إيه ؟ .. وإيه اللي ضايع من عمو حسين وليه بتقولوا عليه : فاقد الشىء لايعطيه !؟
على عكس توقعاتي .... لم توبخني أمي
ردّت بابتسامة حانية بسيطة : سمعتي فين الكلام ده ؟!
وبُناء على الإبتسامة الجميلة دي .. حكيتلها على كل حاجة وكل اللي سمعته بالتفصيل .
ضحكت وقالتلي بس ده كلام كبار وياما قولتلك إنه عيب إنك تسمعيه ..
اعتذرت بكل أدب ووعدتها إني مش حكرر ده تاني بس تفهمني ..
بُصي يا حبيبتي أنا حفهمك بس عشان ترتاحي وتركزي فى مذاكرتك :
عارفة لما أقول لأختك إنها لازم تبقى شاطرة وتذاكر عشان تنجح وتبقى عروسة جميلة وتتجوز و تخلف وتبقى أم كويسة فى المستقبل وتعلم ولادها زي ما اتعلمت هي  ... ده بقولوه عشان هى مش حتنفع  تعلم ولادها كويس غير لو اتعلمت هي كويس ( لأن فاقد الشىء لا يعطيه ) !
تنّحت وسكت فى حين ما كانت ماما بتكمل كلامها :
لازم يا حبيبتي يكون الواحد عنده إحساس كويس ويتعلم وينجح في حياته علشان يقدر يكون مسئول ويعلّم غيره ويفيده .. فهمتي ؟!
آاه ... آاه طبعاً
( ومشيت وأنا نص مقتنعة ونص فاهمة )
وفضلْت الجملة دي تطاردني طول حياتي وفى كل مرة بسمعها بكتشف فيها معاني جديدة وطبعاً بتكون أشمل كتير من المعني المبسّط اللي ماما ريحتني بيه زمان .. وفى كل مرة برجع وأسأل نفسي نفس السؤال : هل فعلاً فاقد الشىء لا يُعطيه ؟!
وهل هي قاعدة تُطبّق علي كل المواقف ؟ أم إنها نسبية ولكل شخص الحرية فى تفسيرها وتطبيقها على حسب تفكيره وثقافته ؟!

تفكيـــــــــر الطفولة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق